خففت الأنوار بين جنبات عشي الصغير ،
أختبئ خلسة وراء ستائر شرفتي الشفافة ،
دقات قلبي تتسابق في انتظار قدوم الحبيبة ،
لمحت بالمرآة إضاءة الشموع و قد صبغت وجهي بلونها الوردي ،
زادت إضاءتها من وسامتي ،
: إيه الحلاوة و الشياكة دي ؟
و الله و لا توم كروز ،
يااختي كميله يا اختي .
أخيرا ؟
اليوم هو أول احتفال بيوم مولدي منذ زواجنا ،
نعم برغم مرور ثلاث سنوات على الزواج ،
مشكلتي أنني ولدت بسنة كبيسة ،
يوم مولدي لا يأتي إلا كل أربع سنوات ،
و لذلك فلقد أعددت لهذا اليوم منذ الصباح ،
منذ أغلقت الباب خلف زوجتي في طريقها للعمل ،
منذ ذلك الحين لم أهدأ ،
مابين إعادة ترتيب للمنزل ، و غسل للملابس ، و طهي ، و كي ،
حتى خارت قواي ،
هاهي أشعة الشموع الحالمة تتراقص لوعة و اشتياق و لهفة لعودة زوجتي الحبيبة ،
ها هي الموسيقى تحملنا بين جناحيها ،
تحلق بنا عاليا ، تعود بنا إلى عبق أول لقاء بيننا ، هناك ،
تبادلنا النظرات ، فانسابت لها ابتسامتنا ،
تلعثمت الحروف على شفتينا ، حاولنا جاهدين لملمتها ،
ما هي الا دقائق حتى وجدتها تهمس بأذن والدي ،
كان رد أبي عندها زغرودة عبقت أرجاء المكان ،
تراقص قلبي يومها فرحا ،
ها هي الأيام و السنون تحملنا فوق أمواج الحياة ،
أمازالت تحبني ؟
نعم لا يوجد بحياتها سواي ،
و لكنه العمل الذي يأخذ كل وقتها ،
أكاد أراها و هي تفتح الباب الآن تحمل لي أول هدية ،
ساعة ذهبية محفور عليها حرفينا ؟
صمتا ، صمتا ،
ها هي ، نعم أكاد أسمع وقع خطواتها أمام الباب ،
يكاد قلبي أن يتوقف ،
ها هي تضع مفتاحها ، تديره ،
تفتح قلبي الملتاع شوقا للقياها ،
انفتح الباب ،
صرير الباب أدار عقارب الساعة عكس دورانها ،
توارت الموسيقى الخافته ،
ضوء أصفر قوي اخترق المكان ،
رياح قوية اندفعت أنطفأت لها الشموع ،
نظرت إليها و كأنني أراها للوهلة الأولى ،
بدأ حلمي يتلاشي ، يتوارى رويدا رويدا ،
وجدت امرأة شعثاء ، غبراء ، منحنية الظهر ،
تسد الطريق ببطنها المنتفخة للأمام ،
ضاع عبق الورد أدراج رائحة عرقها ،
جريت إليها ،
حملت عنها بطيختها المعتادة ،
طبعت قبلات من الشوق فوق خدها ،
أجابتني برائحة رماد سجائرها الرخيصة ،
ألقت بجسدها فوق الأريكة ،
خرجت الكلمات محملة بعبق فمها الأبخر
: مستني ايه ؟ ما تخلعني الجزمة .
: حاضر يا عمري ، حاضر .
: فين الأكل ؟ و إيه الهبل اللي انته عامله ده ؟
مضيع مصروف البيت دايما على كلام فاضي ،
إيه ده ان شاء الله ؟
شمع ؟
و ايه ده كمان ؟
تكونش فاكر نفسك لسه صغير ؟
و الا لسه عايش لي في دور الحبيب ؟
ما تحترم سنك عيب عليك و الله .
( قالتها بينما أخذت تلتهم كل ما يقع تحت يدها من طعام ،
لم يشغل بالها للحظة أنني لم أذق الطعام منذ الصباح ،
انتظر عودتها لنتناوله و نحتفل بيوم مولدي سويا )
: روح اعمل لي شوية شاي خليني اتخمد لي ساعة و الا ساعتين قبل ما ارجع الشغل ،
الواحدة مننا زي ماتكون مربوطة في ساقية ،
و انتم و لا حاسين بحاجة ،
ليل نهار قاعدين لي قدام المسلسلات و الأفلام و بس .
( ذهبت لعمل الشاي ، عدت أحمل بقايا أمل ،
وجدتها تغط في نوم عميق ،
صوت شخيرها حول الكون من حولي ضجيجا ،
فلتت أحلامي من بين يدي ، هوت على أرض الواقع ، تهشمت ،
وجدتني أتمتم لها بالدعوات بدوام الصحة و العافية ،
وجدتني أنسحب خلسة إلى هناك ،
أرمي بنفسي أمام نافذتي الفضية ،
داعبت أصابعي لوحة المفاتيح ،
أخذت أبحث عمن تشاركني أحلامي الوردية